الجمعة، 7 يناير 2011

وعلى ثنيات الوداع ....المشهد

وعلى ثنيات الوداع ....المشهد


إيه يا هاشم.. داست على قبرك الكثير من المعارك فانمحت آثارك، لم اعد أتذكر أين تقيم في الباطن ولا أعلم عنك الكثير سوى أنك حملت في سلالتك ذاك النور الأعظم ؛فينير محمد صلى الله عليه وسلم بصبره وعطائه فيسكب فجرا في قلبي المظلم الذي أنهكته السنين بمرارتها المتعاقبة، يملأ روحي طهرا حين هامت نفسي بالفكاك والهروب من غزة.
(أيها الناس اتقوا الله)

إيه يا رسول الله وكأني أراك حين توحي إلي بأن اجعل التقوى دليلي الى الله ثم إليك كي أعاود الكرة من جديد بالجهاد.
نعم....حين مرت التقوى من هنا عزت أمتي يوم كانت مسلمة
سأعود من جديد رغم الخطر المحدق..أرجو أن لا أكون تحت المراقبة فدسائس السم التي زرعها أولئك تبث ريحا نتنة لتوقع بأهل القطاع الهلاك.
لم يتبق إلا بيت صابر سأحضر لهم ماتيسر من الطعام وبعضا من الشموع ،فإصابته البالغة في ساحة الوغى أقعدته عن العمل، كان شجاعا في ذاك الشتاء ،وأبلى بلاء حسنا؛ إذ كان في صفوف المجاهدين الشمالية ...
مع أسرته في حي الشهداء قرب قطاع غزة يقيمون..قرب منزلي الجديد.
آه لقد سئمت من كثرة التنقلات ومازال الأوغاد يبحثوا عني...إن سلمت فلن تسلم أم عبادة أخشى عليها منهم...

لم يعد لهم حاجة في صابر ذو الأرجل المبتورة لكن مازالت عيونهم تترقب .

.....في بيت صابر ...النوافذ المتهالكة لم تعد قادرة على صد هبات الريح المتوالية، فصر صريرها يتداخل من بين الثقوب والزجاجات المتكسرة لتزيد كسرا أعظم في قلب منار .
لم يتبق أحد ..أمها أبوها أعمامها خالاتها كلهم قضوا نحبهم في الحرب.
تلتفت إلى نفسها إذ هبت نسمة باردة خللت عظام جسدها نظرت إلى الناحية الأخرى فإذا الرماد المتراكم على المدفأة أثار فيها ذكريات عتيقة مر عليها عامان من الآن...
لا وقود في القطاع ولا حتى كومة من الحطب تضعها في تلك المدفأة التي كانت آخر ذكرى تحتفظ بها من بيت أهلها الذي هشمته صواريخ الاحتلال الغادرة...اذ كانت في قلب الحدث...

تحدرت ادمع من عينيها كاللؤلؤ فعكس ضوء الشمعة بريق دمعتها لتصل إلى عين صابر

-منار أما زلت تذكرين؟
-وكيف أنسى؟
-همهم في نفسه متحسرا ليتني أعوضها فنزوة الشوق إلى أهلها مازالت متربعة
أرقتيني يا منار
-صابر...ليتني قضيت نحبي معهم
سأناجي النسيان ليهبني قبلته كي لا أعيش في مدن الذكرى
لم يوهب قبلته لي ولا لك...بل وهبها للعالم كله إلا عالم القطاع
الدمار، هدير الصواريخ، صعق المدافع، الأشلاء المتراكمة هنا وهناك...كلها لم تعد غير تاريخ يروى شاحبا أشبه بحلم رآه نائم فما يتذكر منه إلا بقايا باهته -إلا من رحم ربي-.
لن أنسى
لن أنسى أبدا

-حقيقة لا ادري ما أقول لك...هلا غيرتي الموضوع
-أنت من افتتح منذ البداية
-بل دموعك يا غالية ...أتتمنين الهلاك؟
-لا بل أتمنى الشهادة
-كم شكرت ربي أن سلمك لقد كان أن يصلك ولكن أضواء النجاة كانت أقرب لك حينما غزت ظلام ذاك الصاروخ وبددته
منار سنصمد ونقاوم حتى آخر رمق...رغم إصابتي سأعاود الكرة في ذاك المصنع و إن قطعوا الكهرباء ألف مرة
اعلم أنك تعانين من شظف العيش فلا شيء هنا يوحي بأي حياة كريمة نعيشها كباقي البشر.
لا حطب ،ولا نار ،ولا طعام ولا شراب،...لا شيء لا شيء
زرعوا حدود القطاع أشواكا -غصت حلوقهم بالأشواك يوم القيامة-
حصارا خانقا أودى بحياة الكثيرين
لنصبر لنكبت مشاعر الشوق قليلا لعل الله أن يجمعنا بهم قريبا
إن مع الصبر النصر وان مع العسر يسر.

قرقعة بطن منار بدت واضحة وكذا هو أوقف الحوار قائلا باستحياء :
-ألا يوجد شيء من القوت نتزود فيه؟
المطبخ قريب بل كل شيء قريب في تلك الغرفة،وكذا هي غرفة النوم والمعيشة والضيوف وكل شيء.

تفتح خزانة المطبخ لتجد الفتات من الطعام كان هذا آخر بقايا أرغفة من الخبز حملها أبو عبادة إليهم في إحدى الليالي المرعدة.

-لم يتبقى إلا هذه..
حفظ الله أبو عبادة يتجول ليلا في القطاع ليدخل الأمل إلى الأسر الفقيرة
إنه لؤلؤة في صدف الأيام غواص مقدام يقصد الهمام رغم الآلام.

-صابر مقاطعا:منار لم أره منذ سكن بجوارنا إلا مرة واحدة
منار:-نعم
يسهر على شؤون المساكين الذين أثقلت كاهلهم الأحداث الأخيرة
يتسلل هنا وهناك ويغور في أنفاق القطاع كي يحمل كيس طحين ،أو علبة زيت، أو حتى حلوى لأطفال جوعى..
لكنهم لا يكفوا عن ملاحقته أولئك الخبثاء الذين اشتروا عرض الدنيا الفاني بمعلومات مباشرة لجنود الاحتلال لكي يحصلوا على شواقل معدودة أو حتى علبة دخان تروي نزوات شهواتهم في مقابل تحطيم أسرة ،أو اعتقال لأحد المجاهدين ،أو اغتيال عبر الطائرات المروحية.(قاتلهم الله أنى يؤفكون)

منار أريت كم هي صابرة أم عبادة؟فأبو عبادة لا يتردد إلى البيت إلا قليلا أما هي فقائمة تربي أبناءها على الصبر والتضحية.
_صبرت كثيرا
فقدت نصف عائلة أبيها في الحرب لقد رأت وأبناءها مايشيب له الرأس لقد كانوا في قلب الحدث في مخيم الشجاعية ألا تذكر؟فالمعارك الضارية بشراستها وذروتها كانت هناك.

-منار هلا تعلمت منها دروسا أقوى في الثبات والصبر؟

أمم صابر حقيقة اغبطها على ماهي عليه فقط مايشرفنا في القطاع نماذج الصبر سأصبر ..
-منار
إن بترت أرجلي فهناك من بتر من بكرة أبيه مازال من أقربائك الكثير
سعاد وداد احمد أسامة كلهم بالقرب...
لعل الغد يكون أفضل بإذن الله...................

لا شيء مبهج في القطاع أما شريط الأخبار فيه التكرار:إسرائيل تمنع الوقود،موت داخل النفق والأخدود،إغلاق المعبر والحدود،بيت مهدود،أسرى حكم عليهم بالعقود.وهكذا هو الحال

صابر: يا الهي مرة أخرى؟إلى متى نبقى عاطلين عن العمل؟سيساورني الملل... لا ملل هنا ولا كلل!!!


طيف منار سبق نوره إلى نفسي ومازالت خطاي تباهي نسماتها نحو الصبر يحدوني الألم والأمل حينما علمت أنها باتت صابرة أكثر ستعينني بإذن الله...لكن طيفك أبو عبادة مؤلم أكثر

حين عاد صابر إلى المنزل اخبرها عن الكهرباء التي قطعت في المصنع

منار:قطعوها قطع الله أرزاقهم
استرح يا صابر
تمسح بقايا شعث اغبر به رأسه ووجهه

فجأة
تحدر الدمع ولكن من صابر هذه المرة

-مه؟صابر يبكي؟

قلوب أقسى من حجارة الجبل متى ستهبط من شدة الوجل؟
-مابك؟

-ابو ..ابو عبادة

-لا تقل .....

-نعم

-كيف؟

كعادته يتجول ليلا ..هؤلاء الجبناء...السيارة 
نحيب بكائه زاد لم يعد قادرة على الكلام فمرارة الخبر كانت قوية..
قضيا يومها بتحسر وألم...حتى حل المساء

فجأة




يطرق الباب بشدة



يفتح صابر الباب ليجد ابن الجيران قائلا:أمي متعبة جدا أمرتني أن أنادي خالة منار لتساعدها

يبدو أن ولا دتها حانت- همست بها لنفسي-

-منا ر منار منار
خذي الشمعة واذهبي أم عبادة متعبة

لفلفت منار حجابها حول راسها وانطلقت مسرعة نحوهم
منار: أرجو أن تكون بخير، يبدو أنها علمت عن أبو عبادة-أه...لقد تذكرت لقد جاءها المخاض-
طرقت الباب بشدة أقوى من التي طرقها عبادة توجهت مسرعة نحو أم عبادة

-السلام عليكم
وإذا بها تتمتم بآي قرآنية يعذب لها القلب ويطمئن نضارة تبدو أكثر في وجهها كالشمس في ريع ذروتها وهبها الله جرعات من الصبر في كل أوقات التبعثر

-أم عبادة اعطني يدك يا غالية لنتجه فورا إلى المتشفى

-آه سقطت الشمعة؛ الظلام حالك.

-لا باس المهم تكوني بخير
:استودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، وبصعوبة بالغة استقلت السيارة.

ضوئها الخافت أوهم ذلك الغاشم إن مطلوبا في السيارة يرقد

ولبني صهيون أوصل الخبر وأوقد،إن إرهابيا في السيارة يرقد ،فقامت طائرات مروحية فوق سماء القطاع تحلق


ألقت صاروخا وللقتل تتعمد



وحام الدخان حتى الغمام

والكون يردد معها أصداء الشهادة

اشهد أن لا اله إلا الله واشهد أن محمدا رسول الله

منار السائق عبادة أصيبوا بإصابات بالغة

أما أم عبادة وجنينها



ففي ذمة الله

وأبو عبادة من خلف القضبان يصله الخبر،
يبتسم قائلا: شهيدة ولدت ابني شهيد....

إن دين المجد مازال علينا لم يسدد
وجرحك غزة النازف لم يضمد
ومازالت على منبع الخيانة عيون تورد
أيا غزة هاشم عليك بصبر وتوحد
ويا رسول الله اشهد

وعلى ثنيات الوداع كان المشهد